في الثاني و العشرون من آذار عام 1900 كنت أجلس أنا و صديقي ستيف هوروود نحتسي قهوة الصباح في غرفته المستأجرة في شارع وول ستريت في مدينة نيويورك ، و ما أن انتهينا من شرب القهوة و إذ باتصال على هاتف هوروود ، يجيب صديقي على الهاتف و بعد أن أنتهت المكالمة يستدير تجاهي مخاطباً ..

" أديسون ، لقد اتصل المفوض .. هناك جريمة حدثت في شارع باوري في مدينة مانهاتن يريدون منا الذهاب إلى هناك لحل ملابسات القضية ، يقول المفوض روكي أنه تحدث جرائم منذ ثلاثة أيام هناك و لا يعرفون من هو الفاعل ، هيا لنذهب إلى مانهاتن الآن " .

دون أن أتفوه بأي كلمة نهضت و اتبعت هوروود متجهين إلى السيارة كانت السيارة لهوروود سيارة ألفاروميو ذات لون أسود .. و بعد أن قاد هوروود السيارة سألته و نحن في الطريق

" هوروود ، قلت أنه تحدث جرائم منذ ثلاثة أيام في مدينة مانهاتن في شارع باوري .. هل برأيك جرائمٌ مخطط لها و هي نفس الفاعل أم ماذا ؟ "

" أعتقد أنها جرائم قام بها نفس الشخص ، تسعة جرائم خلال ثلاثة أيام و كلها جرائم حرق .. هذه ليست بصدفة . "

" ياللعجب ! ثلاثة جرائم في اليوم إذن ! في الحقيقة إنه لغزٌ شد انتباهي ، أتمنى أن نحل هذا الأمر . "

و بعد مضي الوقت ، وصلنا أخيرا .. الشارع الواحد و الخمسون ، منزل محترق و كانا ضحيتان في الحريق ، ترجلنا من السيارة و توجهنا نحو مفوض المدينة هناك و كان هو ورجال الشرطة قد أحاطوا المنطقة للتحقيق في ملابسات القضية ، و عرفنا له عن أنفسنا ثم رجاه صديقي بمعلومات عن الضحايا ليتفضل المفوض بذلك ، الضحية الأولى كان سيدٌ ماجد اسمه

جان سايس

يبلغ من العمر ستة و خمسون عاما ، الحالة متزوج .. أما الضحية الثانية كانت سيدة و لكن ما أشار إليه السجل المدني أنها ليست زوجته ، سأل هوروود المفوض عما إذا كانت السيدة ثرية ليجيبه المفوض بلا ، شكرنا المفوض ثم توجهت أن و صديقي إلى داخل المنزل المحترق لنبحث عن شيء يدلنا عن هوية القاتل أو من هذا القبيل ، و بينما نتفقد المنزل وجدت قطعة حديد و عليها قطرات من الدماء ، فأخذتها أما هوروود كان يتفقد الجثث المحترقة ، و بعد أن تفقد الضحايا إلتفت إلي و قال لي : هذا ليس بحادث إنها جريمة مفتعلة يا أديسون . سألته كيف أصبح متأكداً من ذلك ؟

" أديسون ، إن أحببت تقدم و تفحصت السيد سايس ، يظهر لي آثار ضربة في جبين جمجمته من غير كل بقية مناطق رأسه ، و قطعة الحديد التي بيدك عليها قطرات دماء و هذا يعني أن الضحية رأت وجه القاتل و قد قام القاتل بضربه على رأسه و من ثم حرق البيت و لكن السؤال هنا ، أين كانت الضحية الثانية ! يجب أن نسأل المفوض أين وجدت الجثة الثانية في البيت . "

و توجهنا إلى المفوض لنسأله عن مكان الجثة الثانية حيث وجدت في غرفة النوم عند باب الغرفة بينما كان السيد سايس في غرفة المعيشة و هذا معناه أن السيدة المقتولة كانت بالحمام الذي داخل غرفة النوم و أثناء الحريق خرجت منه و لكن النيران كانت قد أكلت المنزل و حُرقت السيدة قبل وصولها باب الغرفة و لكنها سقطت عند الباب بعد تلاشي روحها ، سئم هوروود من الأمر لعدم وجود أي شيء يرشدنا للقاتل فقرر الذهاب إلى الغرفة الجديدة التي أستأجرناها في شارع باوري و قال بأنه سيكمل التحقيق في صباح الغد ، توجهنا إلى الشقة و فور وصولنا نزع هوروود جاكيت الطقم الرسمي الذي يرتديه و فك ربطة عنقه الزرقاء ، و جلس على مكتبه بينما جلست أنا على الأريكة مسترخيا و أغمضت عيناي ، بينما أشعل هوروود سيجارته و بدأ يستنشقها فهو عندما يواجه قضايا لا يملك أدلة لحلها يدخن بشكل مفرط و يبدأ بالتفكير ، و من عادة هوروود لا يدخن السجائر الجاهزة بل يشتري التبغ و يلف سيجارته بنفسه فهو يقلل من التبغ في الورقة لكي لا تصبح رائحة فمه كريهة جدا و يغسل أسنانه مباشرة بعد التدخين ، و لكن كما قلت عادته السيئة يدخن إلى حد مفرط عند مواجهة قضية صعبة كما الآن تماما لم يمر سوى عشر دقائق على دخولنا الشقة و كان قد أشعل سيجارته الثالثة و لكنه سرعان ما أطفأها ليقول : " هيا أديسون ، سنذهب " . و كنا قد توجهنا إلى منزل عائلة السيد سايس ، و في الحقيقة منذ أن دخلنا المكتب راودني تفكير و قد شاركته لهوروود بالسيارة : ألا تعتقد بأن زوجة السيد سايس هي من قتله ؟ بما أن الضحية الثانية اتضح أنها عشيقته ؟

" لا أظن بأنها تعلم أن لدى زوجها عشيقة "

و بعد نصف ساعة من الطريق توقفنا عند مانهاتن العليا فوق شارع 96 ، و سألنا أحد المارة عن عائلة السيد سايس و أين تمكث فأجابنا الرجل بأنهم يقطنون في شارع كنال و هو شرق غرب مانهاتن السفلى ، و بعد مضي الوقت وصلنا أخيراً منزل عائلة الضحية ، رحبت بنا السيدة سايس و تفضلنا بالدخول و الجلوس و بدأ هوروود بطرح الأسئلة عليها ..

" أود أن أعرف سيدة ماربل هل أنت و زوجك كنتما في حالة خلاف ؟ "

" أبداً سيد هوروود ، علاقتي مع زوجي جيدة جداً و دائما ما يدللني و كان قد وعدنا و الأولاد للذهاب إلى المطعم بعد عودته . "

" في أي ساعة غادر زوجك البيت و أين ذهب و متى يعود في غالب الأحيان ؟ "

" غادر الساعة السابعة صباحاً ذهب إلى عمله ، و يغادر الشركة الساعة العاشرة ، عاد للمنزل بحدود الساعة الواحدة ظهراً و ذهب إلى أصدقائه الساعة الرابعة عصراً .. يقضي مع أصدقائه ثمان ساعات أخبرني أنه يلعب معهم لعبة الورق .. "

" ما هو عمل زوجك ؟ و من هم أصدقائه ؟ "

" يعمل في شركة صحف ، البناء العشرون من شارع باوري ، لا أعلم من هم أصدقائه " .

شكر هوروود السيدة ماربل و طلب منها رؤية الأولاد ليسألهم بعض الأسئلة ثم انصرفنا متجهين إلى السيارة ليقول هوروود أن السيدة ماربل لا تعلم بأمر عشيقة زوجها و أولادها أخبروني أن آباهم يذهب عند أصدقائه لمدة ثمان ساعات و هو عدد الساعات الذي يقضيه عند عشيقته أي أنهم لا يعلمون شيئاً عن أمرها فالأولاد لا مصلحة .. قاطعته بقولي أن القاتل إذن هو شخصٌ يعمل معه في الشركة ، و لكنه بقي صامتاً إلى أن وصلنا المنزل و خلدنا للنوم و في صباح اليوم التالي أيقظني هوروود مبكراً للذهاب إلى شركة رايث انفرميشن ، و هي الشركة التي كان يعمل بها السيد سايس و بعد مرور أربعون دقيقة ترجلنا من السيارة و اتجهنا إلى مدير الشركة ، السيد كلارك هدسون و كان يبلغ من العمر خمسون عاماً جسده متوسط البنية لكن وجهه نحيف و أنفه طويل بعض الشيء و ذو بشرة حنطية و شعر برتقالي ، يرتدي ملابس باهظة الثمن ، سأله هوروود مباشرة : السيد جان سايس كان يعمل هنا أليس كذلك ؟ رد السيد هدسون بهدوء و برود بنعم ، ثم أخبره هوروود أنه يريد أن يسأله بعض الأسئلة تتعلق بالضحية و عندما كان سيطرح سؤاله عليه قاطعه اتصال على هاتفي فأجبت و فزعت ، تماماً كما فزع صديقي الليلة الماضية بنفس الكلمات ، غادرنا أنا و هوروود الشركة مسرعين دون أن نحقق مع المدير و قاد هوروود العربة و سألني : أين المكان هذه المرة جاك ؟ فأجبته بأنه بعد شارعين من بيت الضحية سايس ، فقال لي : ما رأيك يا أديسون ؟ من هذا الذي يقتل الناس حرقاً ؟ و الغريب أنه لا يوجد سرقات !؟ بقيتُ صامتاً إلى أن وصلنا المكان و من بعد أن ترجلنا من السيارة توجهنا لنحصل على معلومات عن الضحايا .. ضحيتان أيضاً الأولى هو السيد لانكس هيتوس الذي يبلغ من العمر ثلاثة و ثلاثون عاماً ، غير متزوج و لكنه كان عند عشيقته ، رجل ثري فهو مهندس و كان يأتيه في اليوم أربعة مشاريع ، أما السيدة فهي فتاة تبلغ من العمر خمسة و عشرون عاماً اسمها سرابيل لوتشي ، و قد تفقدنا البيت بالكامل و قد وجدنا به صندوق خشبي لم يمسه الحريق و قد كان مليء بالذهب و العملات الذهبية و هذا يدل أنه لا سرقة .. لم يُسر صديقي هوروود من هذه الأحداث و طلب مني أن أعود للشركة لاحقق مع السيد هدسون بينما ذهب هو ليسأل بزقاق أخرى ، وصلتُ الشركة و جلست مع السيد هدسون وأخذت أسأل به : أين كنت البارحة الساعة الرابعة عصراً يا سيدي ؟ لقد تمتم بالبداية ثم قال : أعلم أنك تريد أن تصل إلى نتيجة بشأن جان و لكن صدقني لا علاقة لي بالأمر يا سيد أديسون . في الحقيقة شككتُ به فأنا لا أحب المماطلة بالحديث و عدم الإجابة بوضوح ، ثم كررت سؤالي مجدداً ليجيبني : كنت في البيت و بقيت إلى حدود الساعة الثامنة و من ثم عدت إلى الشركة ، بإمكانك التأكد من ذلك . و بعد أن أجابني طرحتُ عليه سؤالاً آخر و من ثم على بعض الموظفين و بعد أن حصلت على الإجابات انصرفت متوجها إلى مكان الحادث الجديد مقتنعاً بأن الأجوبة التي حصلت عليها لن تفيدنا بشيء في مجرى التحقيق .. و بعد أن وصلت وجدتُ هوروود قد وصل قبلي و سألني عما حدث و أخبرته بالتفصيل و عندما سألته إن كان قد وجد شيئاً فقال لي : ألا ترى بأن هناك شيئاً غريباً في الأمر يا أديسون ؟ ثلاث ضحايا في يوم ، كل ثمان ساعات ضحية ! فسألته : لم أفهم ، ألم تصل لشيء بعد يا هوروود ؟ _ بلى ، لقد عرفت القاتل . في الواقع دهشت بشدة عندما قال لي عرف القاتل فلم افترق عنه سوى ساعة فقط فمالذي تغير خلال هذه الساعة !

_ لقد تجولت الأزقة و الأحياء و سألت الناس يا أديسون ، و كما قال المفوض منذ أن استلمنا هذه القضية ، هذه الحرائق تحدث من ثلاثة أيام كل يوم ثلاث جرائم ، قال لي أحد جيران بيت عشيقة السيد سايس بأن رجلاً قصير القامة يحوم بالقرب من البيت قبل ساعة من وقوع الحادثة و عندما سألت أحد الناس في الشارع الثالث من باوري قال لي مشيراً إلى بيت بأن صاحبه خرج ليلة وقوع الحادثة مسرعاً كالمجنون و بعد أن انصرف السيد بقيت أراقب ذلك البيت لمدة خمس دقائق و إذ بذالك الرجل يخرج من البيت و كما تم وصفه لي ، قصير القامة و سمين و وجهه مترهل و بعد أن تأكدت من ابتعاده من الشارع تسللت إلى منزله من نافذة غرفة النوم و بعد البحث يا أديسون وجدت محفظة بها هويته ، اسمه جوغوسي توناكس يبلغ من العمر ستة و ثلاثون عاماً و لكن إن رأيته تقول أنه بالستون .. ليس هذا المهم بالنسبة لي فقد وجدت أيضاً بمنزله كيساً من الكوكايين و ورقة على طاولة مكتبه مكتوبٌ عليها " الساعة الثانية عشرة سيكون هناك " و وجدت في حديقة منزله بالقرب من الباب علبة ثقاب و زجاجة يصل فيها البنزين إلى النصف ، غادرت قبل عودته و أتيت إلى هنا .

_ و ماذا بشأن الورقة ؟ يبدو أن هناك شريكاً معه !

_ أظن أن الورقة هي موعد تنفيذ الجريمة التالية ، كل ثمان ساعات ، الساعة الثانية عشرة و الان الساعة التاسعة أي بعد ثلاث ساعات سيرتكب جريمة جديدة و كتب هذا على ورقة لأنه يشتم الكوكايين و قد ينسى ، أو ربما هي موعد للقائه بأحدهم .. سنعلم قريبا يا أديسون .

و بعد أن جاء المفوض شاركناه بعض المعلومات و من ثم قصدنا السيارة متوجهين إلى منزل جوغوسي .. طرقتُ الباب ثلاث مرات و لكن لم يكن من مجيب ، تفقد هوروود المنزل من النوافذ و رأى أنه مستلقي على الأريكة في غرفة المعيشة فاتحاً عيناه و مخرجاً لسانه كالذي فقد حياته ...

سحب هوروود مسدسه من خاصرته و ركض نحو الباب .. يبدو أنه قد قُتل ، اكسر الباب يا أديسون كسرتُ الباب و اقتحمنا المنزل .. كان جوغوسي قد قُتل بالفعل ، قُتل خنقاً و كانت آثار الحبل واضحة على عنقه ، أبلغنا رجال الشرطة و المفوض و سارعوا بالقدوم ، حيث أخذنا الضحية و أغلقنا المكان بالأشرطة ، تقدم المفوض نحونا و قال : ما رأيكما حول هذا ؟ إن كان القاتل قد قُتل ؟ أجابه هوروود مظهراً الورقة : هناك شريكٌ معه يا سيدي ، انظر إلى هذه الورقة فالموعد الذي بها هو موعد حدوث جريمة جديدة بلا شك ، فالساعة الآن العاشرة إلا عشرُ دقائق و الموعد الذي بالوقة الساعة الثانية عشر و لو كان هذا موعد لقاء بينه و بين شريكه فلوجدناه مقتولاً بعد ساعتان و عشرُ دقائق إن كانوا قد قرر تصفيته ، و إن كان موعد للقاء أحد أصدقاءه أو الجيران لوجدنا الورقة معلقة في تلك اللوحة التي على حائط غرفة المعيشة و التي تحتوي ما سيفعله خلال اليوم و لكنها كانت بحقيبة صغيرة بها بعض النقود المعدنية و هذا يعني سرية الورقة بالنسبة له و ليست مجرد موعد للقاء بأحدهم ، و لهذا لا يوجد سوى الاحتمال الاخير و هو موعد حدوث جريمة جديدة فقد مر ست ساعات على الجريمة الأخيرة و بقي ساعتان على جريمة جديدة

" تحليلٌ منطقي سيد هوروود و لكن ما الحل سنستمر بمشاهدة الجرائم هكذا ؟ و لم أفهم لماذا الشريك قام بقتل جوغوسي ؟ "

أجاب هوروود واضعاً احتمالا جديداً : " أظن أن جوغوسي أخبر رفيقه بأن الورقة اختفت من منزله ، فجاء شريكه و قتله و هذا يثبت بأن الورقة موعد لجريمة و لا يعقل أنه سيقتل شريكه من أجل موعد لقاء "

" هذا جيد و لكن شريكه من أين سيعلم أن من أخذ الورقة سيفهم ما معنى الموعد الذي بها ؟ "

" إن كل هذه مجرد احتمالات سيد جايسون و لكنني متأكد أن الموعد هو موعد جريمة جديدة ، سنرى هذا بعد ساعتان فبالنتيجة حتى لو عُلم الموعد فلم يُعلم من الضحية و لهذا لن يتراجع القاتل عن تنفيذ جريمته . "

انصرف المفوض و رجال الشرطة بينما قال لي ستيف أن نتفحص البيت مرة أخرى و بعد خمسُ دقائق من التفتيش جائني هوروود و بيده رسالة و بها صورة شخص قد ثُبتت بالرسالة من خلال الشمع و قال : لقد وجدت هذه الرسالة بإحدى الكتب في المكتبة ، تم إرسالها من طرف شخص اسمه

فيلز أودار

، في الرسالة يترك عنوان سكنه أيضاً ، هيا أديسون سنذهب لنتعرف على هذا الشخص في الحقيقة القضية بدت ممتعة لي فقد بدأت تنحل أمورها المعقدة ، توجهنا إلى العنوان المكتوب في الورقة و قد قرعنا جرس منزل ذاك السيد و لكنه لم يجيب ، حيث توجهنا بعد ذلك إلى إحدى البيوت نقرع الجرس لنسأل عن فليز أودار ، أجابنا سيدٌ ماجد اسمه

رافايل داڤو

و سألناه عن ذاك أودار ..

" أرجوكما ، ل.. لا تقتربا منه يا سيدي ، هذا شخصٌ مجرم و خطير جداً و يشرب الكحول إلى حد مفرط و قد قتل رجلاً مسناً بالسكين قبل ثلاث سنوات ، و سجن لمدة سنة واحد و بعدها خرج لا أعلم كيف يحكم على مجرم مثله لمدة سنة فقط . "

" لقد ذهبنا لمنزله لكن لم يجب ، ما الخطب ! هل تعرف أين يمكن أن يكون ؟ "

" إنه لا يأتي لمنزله أبداً لم أراه قط يأتي إلى منزله ، إنه يقضي أوقاته في حانة في الشمال الشرقي من هنا اسمها حانة النسيان فكل من يذهب إليها ينسى همه ، يمكنني القول أنها أقذر حانة في مانهاتن كلها ، فهي بمنطقة مهجورة تقريبا و كل شيء في تلك الحانة مباح و لا يوجد شرطة لتضبط تلك الحانة ."

شكرنا السيد رافايل و انصرفنا إلى السيارة لنتجه إلى الشمال الشرقي إلى حانة النسيان ، و بعد أن وصلنا دخلت أنا و صديقي الحانة ، حقاً كانت كما وصفها لنا ذاك السيد الماجد فكانت قذرة جداً حيث المقاعد و الطاولات متسخة بالنبيذ المسكوب و جميع من في الحانة يشربون النبيذ و يدخنون السجائر بكثرة و هناك من يشتم الكوكايين و يتناول الحبوب المخدرة ، حيث أنه رائحة الحانة مزجت برائحة الخمر و التبغ ، توجهنا إلى الساقي لنسأله عن أودار و أشار إليه و قال : ذاك هو . كان جالساً في زاوية من زوايا الحانة و بجانبه كيسُ كوكايين لم يتبقى منه الكثير و كان مازال يشتم ، توجهنا نحوه و بدأنا نسأله ، في الحقيقة لم نواجه أي صعوبة في استجوابه ، على العكس فقد أخبرنا بكل شيء دون أي معاناة فهناك مقولة تنص " الثمل يقول كل ما في قلبه " و باشر هوروود يسأله ..

" ما علاقتك بجوغوسي توناكس ؟ "

ابتسم الثمل و قال : " إنه صديقي في القتل هه هه "

" و لماذا قتلت صديقك في القتل ؟ "

" لستُ أنا من قتله ، هذا قانون عصابتنا .. من يكشف أمره يتم تصفيته و أنا و توناكس من نقوم بعمليات الحرق تلك و القانون يقول أنه يجب مراقبة المكلفين بالمهمات و عندما راقبوا منزل توناكس رأوا رجلاً يتسلل للمنزل و بهذا كُشف أمر توناكس و تم تصفيته"

" لماذا تقومون بعمليات الحرق تلك ؟ و من هو الذي يترأسكم ؟ "

لم يُجيب فيلز عن السؤال الأخير لهوروود و قد مال رأسه إلى الجهة اليمنى ، و وضع هوروود يده على عنق فيلز ليرى أنه قد فارق الحياة نتيجة شمه المفرط للكوكايين ، و قد استدعينا رجال الشرطة و قد تم أخذ جميع من في الحانة إلى العناية الصحية و صاحب الحانة إلى السجن و قد أغلقنا تلك الحانة للأبد .. و من ثم توجهنا إلى شقتنا و جلسنا في المكتب ، كنتُ قد سندتُ نفسي على الأريكة و هوروود كان قد جلس على كرسي مكتبه ، تعجبتُ من عدم إشعاله سيجارة ليدخنها كما يفعل في كل مرة يستصعب فيها من قضية ، و فجأة نهضة متوجهاً لإحدى الرفوف ليأخذ إحدى الملفات ، نهضت من الأريكة و اتجهت نحوه لأرى قائمة بأسماء جميع الأثرياء الذين يعيشون في شارع باوري .. كانت أول ستة أسماء قد تم قتلها و جميعهم قتلوا بالحرق و هم نفسهم الضحايا الذين نحقق بأمر قضاياهم منذ وصولنا باوري ، و كان الاسم السابع سيد اسمه داليد أوجورس و تبلغ ثروته مليونان دولاراً ، بقي أربعون دقيقة لحدوث جريمة أخرى ..

قال هوروود : أتعلم يا أديسون ؟ ، هناك خلافٌ بين أفراد العصابة تلك .

قلت له : كيف استنتجت ذلك ؟

قال : انظر ، في كل الجرائم التي حدثت لم يسرق أولئك الأثرياء قط ، و كانوا متفاهمين لحين قتل جوغوسي ، و دأب الخلاف بعد ذلك و لو لا يوجد خلاف بينهم لجاء أحدهم و قام بتصفية فيلز قبل أن نصل إليه في الحانة ، فهو قال أنه مراقب هو و جوغوسي و منازلهم أيضا ، أي أنه من المفترض منزل فليز كان مراقباً و عندما يرانا ذاك الشخص الذي يراقبنا بأطقم رسمية سيثيره الشك بأننا مخبرين أو محققين و كان ليذهب لقتل فليز خاصة إذا رآنا نسأل الجيران ، و لكن هذا كله لم يحدث و هذا يعني أنه هناك خلافاً بين أفراد العصابة جعلهم يتركون تعقب ذاك المجرم ، و أظن أن الخلاف هو حول سرقة تلك الضحايا و أظن أيضا أن الخلاف مؤقت و كان لصالحنا ، فلا يوجد زعيم عصابة سيتخلى عن أفراد عصابته فالضحية القادمة أعتقد سيقومون بسرقتها قبل حرقها و لكن دعني أقول أن الخلاف حتى و لو كان مؤقتاً فهو لمصلحتنا لقد أصبح لدينا معلومات كافية للإطاحة بالمجرمين صرخت بدهشة .. يا إلهي ! أنت حقا بارع يا هوروود ، حسناً ماذا الآن ؟ الآن الضحية القادمة هو السيد داليد أوجورس ، مازال هناك نصف ساعة لوقوع الجريمة و منزل هذا السيد لن يستغرق سوى خمس دقائق بالسيارة ، هيا يا أديسون ، و بينما كان يقود هوروود سيارته قال لي : نسيت إخبارك يا أديسون بأن الضحايا الستة أثرياء و لديهم عشيقات جميعهم ، و السيد أوجورس أيضاً مثلهم لديه عشيقة و هذا يعني أنه سيتم حرق بيت عشيقته .. توقف هدسون عن القيادة و ترجل من السيارة ليتجه إلى الهاتف العام الذي بالشارع ليتصل بالسيد أوجورس حيث كان رقم هاتف شركته مدون في ذاك الملف و قد أجاب السيد أوجورس و أخبره أنه بالشركة و كاد يغادرها و قد دار حوار بينه و بين هوروود حيث قال له هوروود أنه يعلم أن لديه عشيقة و أن هناك أمراً مهماً يريد أن يتحدث به معه و مع عشيقته و بعد أن شرح هوروود بعض التفاصيل للسيد أوجورس حصلنا على عنوان منزل عشيقته و توجهنا إلى هناك قبل وصول السيد أوجورس .. و بعد عشرُ دقائق وصل السيد أوجورس للمنزل و قد جلسنا معه و شرحنا له أمر تلك العصابة و الحرائق التي تحدث و أنه سوف يأتي أحد المجرمين لاغتياله خلال عشر دقائق و قد طلبنا منه إغلاق الباب بإحكام و جميع النوافذ بإستثناء نافذة غرفة النوم و قد وضعنا خطة محكمة بحيث فور رؤيتهم للمجرم الصراخ لأخرج أنا و هوروود من الغرف التي نختبأ بها ، و بعد عشر دقائق جاء ذاك المجرم و كان بيده عصا حديدية و قد دخل من الثغرة ( أي نافذة غرفة النوم ) و توجه لغرفة الجلوس و فور أن رأته عشيقة السيد أوجورس صرخت و قد خرجنا فوراً أنا و هوروود و ألقينا القبض على المجرم .. حيث استدعينا رجال الشرطة لحماية السيد أوجورس و أنا و هوروود أخذنا ذاك المجرم للقسم للتحقيق معه .. دخلت أنا و هوروود غرفة التحقيق لاستجواب المجرم المسمى

براديڤ هيسوك

لعل شكله يضحك لكنه مجرم بحق ، ضعيف الجسد ، لا يتجاوز طوله المئة و الخمسون سنتمتر ، شعرٌ خفيف و ملابس مهترأة بعمر السبعة عشر عاما ، سأله هوروود عن علاقته بجوغوسي توناكس و فليز أودار ، حيث بقي الفتى صامتاً و قد سأله صديقي عدة أسئلة لكنه لم يجب عن أياً منها على الرغم من غضب هوروود و ضمه لقبضة يده و كاد يضرب ذاك الفتى إلا أنه نطق أخيراً : لا يمكنك معرفة شيء مني حتى و إن لكمتني ضحك هوروود ثم خاطب الشرطي الذي يقف معنا قائلاً : اتصلوا بوالدة هذا الفتى لتأتي . و في حال سمع الفتى هذه العبارة فزع على الفور و صاح بأعلى صوته : أرجوك سيد هوروود ، عائلتي لا يعلمون بهذا الأمر ، إن علم أبي المريض بهذا سيموت قهراً و سيفقد أخوتي الصغار ثقتهم بي ، ناهيك عما سيحدث لأمي ، أرجوك توقف .

" أجبني إذن ، لماذا سيفقد أخوتك ثقتهم بك ؟ "

" كل أسبوع أعود للمنزل بمبلغ قدره خمسون دولاراً و أخبرهم أن هذا نتيجة بيعي للجرائد و الصحف و لا يعلمون حقيقة أمري ، أبي مريض عاجز و أمي كبيرة بالسن أيضاً و أنا أملهم الوحيد لجلب المال "

" و لكي تجلب المال تقتل الناس و تصبح مجرم ! حسناً أخبرني الآن ما علاقتك بتوناكس و أودار ؟ "

" كانا يعملان معنا "

" و لماذا لم يأتي أحد لتصفية أودار مثلما فعلتم مع توناكس عندما كُشف أمره ؟ "

" كنا في خلاف مع سيدنا و لذلك لم نهتم لأمر أحد و كنوع من العصيان كسرنا القاعدة و لم نراقب المكلف الآخر بالمهمات ، لكن تم حل الخلاف فيما بعد ، بعد أن اتفقنا على سرقة كل ضحية ، كنت سأسرق منزل السيد أوجورس بعد أن أقتلهم ثم أحرق المنزل حسب رغبة الزعيم "

أخرج هوروود دفتر ملاحظاته و دوّن ما قاله الفتى ثم سأله : ما اسم سيدكم ؟

" هارفرد .. هارفرد ماريدي " .

دوّن هوروود الاسم في دفتر الملاحظات ثم خرجنا متوجهين إلى مكتب المفوض جايسون لنطلعه على ما هو جديد و عندما أخبرناه عن اسم هارفرد ، قفز من مقعده و ظن بأن الفتى الشاب يخدعنا فقال المفوض : هل جننتما ؟ ما هذا الذي اسمعه ! هارفرد ماريدي لقد مات مع زوجته و ابنته أثر حادث حريق في منزله قبل ثلاثة أشهر و اختفى في اليوم نفسه في نفس الساعة التي وقعت بها الحادثة جاره اسمه السيد

جورج ونسون

.. التقرير كان يقول بأن أسطوانة الغاز انفجرت في المنزل و ماتوا ثلاثتهم لكنني أعتقد بأنها جريمة قتل و ورائها هذا المسمى بونسون بما انه اختفى ساعة وقوع الحادثة ، لكننا لم نملك أي دليل تثبت أنها جريمة و سُجلت القضية بأنه مجرد حادث عادي .. قال هوروود : سيد جايسون ، يبدو أن هناك لغزاً في القضية التي تتحدث عنها الآن ، هل شُرحت جثة الرجل و كانت بالفعل للسيد ماريدي ؟

الجثة احترقت بشكلاً كامل و تشوهت حيث لا يمكن تشريحها ، لكن هذا لا يتطلب ذكاءاً فإن الأمر واضح قُتل بجانب زوجته من طرف ونسون

حسناً ، أمهلنا بعض الوقت و سنكتشف لغز هذه الجريمة سيد جايسون . ثم انصرفنا إلى شقتنا و كالعادة يجلس هوروود على مكتبه و يشعل سيجارة ليدخنها و أنا انظر به مراقباً حركاته ثم يسألني إن كان لدي خطة للإطاحة بالمجرم هارفرد و رجاله ..

" نعم ، في الحقيقة لدي خطة يا صديقي ، بالاتفاق مع السيد أوجورس .. نفرغ شركته من كل رجال الأمن و نفرغ النقود سراً ، ثم بعد ذلك ننشر خبراً في الجريدة ينص على وجود مسابقة داخل الشركة و أن هناك جائز مالية .. فور سماع اللصوص الخبر سيأتون للشركة على أساس أنهم سيشاركون بالمسابقة ، و عندما يستكشفون الشركة و يرون أنه لا يوجد رجال أمن بها سيقررون اقتحامها و سرقتها بعد أن يتأكدوا بأن الشركة لن يكون فيها حراسة ، و خلال هذا نكون نحن و رجال الشرطة مختبئين في غرف الشركة منذ بداية اليوم بملابس مدنية على أساس أننا مشاركون بالمسابقة لكي لا نثير الشكوك و ليطمئن هؤلاء اللصوص "

" جميل ، هيا انهض لنذهب إلى السيد أوجورس و نباشر بالأمر "

و نحن في طريقنا إلى السيد أوجورس سألت هوروود : هل أنت متأكد بأن هارفرد على قيد الحياة و أنه هو وراء هذه الجرائم ؟ قال : نعم جاك ، متأكد عند القبض عليه سأخبرك بالتفاصيل . و ذهبنا لشركة السيد أوجورس و شرحنا له الخطة و قد اتفقنا أن ننفذها الخميس القادم أي بعد يومين و عندما حل يوم الخميس الساعة الثانية عشر ظهراً قد جاء العديد من الناس للمسابقة و استمرت حتى الرابعة عصراً .. و أخبرنا الجميع بعد انتهاء المسابقة بأننا سنعلن عن الفائز الجمعة في تمام الساعة العاشرة صباحاً ، و بعد ذلك غادر الجميع الشركة بإستثناء ثلاثة أشخاص كانوا قد ذهبوا في منتصف المسابقة إلى المرحاض في الطابق الثاني و الثالث و لم يغادرو المرحاض و بهذا علمنا أنهم اللصوص ، و عند حلول الليل قد خرجوا متوجهين إلى مكتب السيد أوجورس بينما خرجتُ لهم أنا و هوروود بأسلحتنا و معنا بقية رجال الشرطة .. و ألقينا القبض على ثلاثتهم و كان بالفعل هارفرد ماريدي حياً و مع رجاله الاثنان الآخران و كان هو من يترأس تلك العصابة ، أخذنا الجميع للقسم إلى المفوض جايسون للوهلة ذهل المفوض و قال : كيف ذلك ؟ كيف هارفرد حي و لم يمت !!

قال هوروود سأشرح لك سيدي : " لدى السيد ماريدي زوجة و طفلة ، كانت زوجته تخونه مع جاره السيد ونسون كل ليلة تقضي معه ثمان ساعات ، اكتشف ماريدي خيانة زوجته له و لم يتحمل عقله ذلك ، فوضع خطته المحكمة و قام بحرق زوجته و طفلته و جاره العاشق في منزله ، و بعدها أصبح مريضاً نفسياً اتخذ من الضحايا عدد الجرائم التي سيرتكبها في اليوم و هي ثلاث جرائم و هذا عدد من حرقهم أي زوجته و عشيقها و ابنته و بالطبع هذه الثلاث جرائم ستوزع على اليوم كل ثمان ساعات ضحية و هو عدد الساعات الذي كانت تقضيه زوجته مع عشيقها ، و أصبح بعد ذلك يبحث عن أثرياء المدينة لأنهم يعلم أن الأثرياء سيكون لديهم مجون و قام بجرائم ضد الرجال الذين لديهم عشيقات و يخنون زوجاتهم و بحرق الفتيات اللواتي يعشقن و يسلبن الرجال من أزواجهم و الحرق هي الطريقة التي قتل بها زوجته .. لقد جائني هذا الاستنتاج قبل إلقاء القبض عليه ، لأن لو الفاعل كان ونسون فلن يكون غبياً ليظهر الأمر كحادث ألا و هو انفجار اسطوانة الغاز ، و غيابه في نفس الوقت الذي تقع به الحادثة ليثير الشك حول نفسه لكنها كانت خطة جيدة من ماريدي فإن كُشف أمر الحادثة بأنه جريمة فستسعى الشرطة وراء ونسون و سيبقى ماريدي مرتاحاً لأن الجميع كان يظن أنه مات ، تماما مثلما كنت تشك بأن الفاعل هو ونسون يا سيد جايسون .

انتهى #

2024/04/25 · 20 مشاهدة · 4472 كلمة
Musab Hassan
نادي الروايات - 2024